من بين التوجهات العالمية المستقبلية في مجال التحول الرقمي، تبرز الحوسبة السحابية بوصفها القاسم المشترك والشرط الضروري لعالم يحقق أقصى استفادة ممكنة من التحولات التكنولوجية الهائلة. وبنظرة سريعة على أبرز تلك التوجهات وأثرها المتوقع على الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030 نجد ما يلي: يتوقع الخبراء أن يسهم الذكاء الاصطناعي بزيادة قدرها 15 ترليون دولار، فيما تسهم تقنية البلوك تشين بنحو 2,1 ترليون دولار، والواقع الافتراضي والمعزز بحوالي 3 ترليون دولار. أما تقنية الجيل الخامس من الاتصالات التي تمثل نقلة نوعية في حياة البشرية، فمن المتوقع أن تسهم بزيادة 13 ترليون دولار في اقتصاد العالم بحلول 2035.
هذه الأرقام ترسم صورة مستقبلية لعالم أكثر تشابكاً وذكاء وتطوراً مما يتخيله الكثيرون. ولمّا كانت التطبيقات العملية لهذه التقنيات الناشئة تعتمد اعتماداً وثيقاً على ما تتمتع به البنى التحتية الرقمية من استقرار، ومرونة، وسرعة استجابة، وقدرة على التشبيك، فقد أصبحت الحوسبة السحابية المرنة والمستقرة هي العنوان الأبرز والشرط الأكثر أهمية لنجاح مسيرة التحول الرقمي والمدن الذكية.
لكن الحوسبة السحابية عموماً لا تخلو من أخطار وتحديات يتعيّن على الحكومات الاستعداد الجدي لها والتعامل معها على نحو استباقي. في رأس قائمة تلك التحديات يبرز الأمن السيبراني باعتباره جزءاً من منظومة الأمن والأمان الشاملة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
ففي مجال خصوصية البيانات، يظل الهاجس قائماً بأن تكون المعلومات المخزنة على السحابة عرضة للبرمجيات الخبيثة والاختراقات والبرامج الضارة، الأمر الذي يتطلب وجود معايير وضوابط معتمدة لحماية البيانات، مثل التشفير والتحديثات الأمنية المستمرة وغيرها.
هذه الاعتبارات كانت جزءاً من التفكير المستقبلي الذي قامت عليها الرؤية الاستراتيجية لمركز دبي للأمن السيبراني، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي ، والتي تشمل أربع محاور هي: مجتمع آمن سيبرانياً، مدينة حاضنة للابتكار، مدينة مرنة سيبرانياً، والتعاون والشراكات السيبرانية
في هذا السياق أطلق المركز العديد من المبادرات، منها على سبيل المثال “مواصفة أمن مزودي خدمات الحوسبة السحابية” التي يقدمها المركز وفقاً لأعلى معايير الشهادات والاعتمادات الدولية، وبالتعاون مع أبرز الخبرات العالمية الرائدة في هذا المجال. وتتضمن هذه المواصفة المتطلبات والإرشادات والضوابط الأمنية الواجب اتباعها، سواء من جانب مزودي خدمات الحوسبة السحابية أو الجهات الحكومية وشبه الحكومية في دبي، بما يضمن أعلى درجات المرونة والسلامة الرقمية وسلاسة تقديم الخدمات واستمرارية الأعمال.
وقد وصل عدد الخدمات المعتمدة على الحوسبة السحابية التي يقدمها المركز إلى 950 خدمة، فيما بلغ عدد المزودين المعتمدين لخدمات الحوسبة السحابية إلى 17 جهة، وبلغ عدد مراكز البيانات التي تستضيف الخدمات السحابية 20 مركزاً داخل دولة الامارات، ووصل عدد الجهات الحكومية المستفيدة من الخدمات المعتمدة إلى 100 جهة، أما عدد مراكز تزويد الخدمات السحابية قيد الاعتماد النهائي فيبلغ 42 مركزاً.
ويشير سعادة يوسف حمد الشيباني، الرئيس التنفيذي لمركز دبي للأمن الإلكتروني إلى أن “هذه الجهود وغيرها مما يقوم به المركز، تندرج ضمن رؤية شاملة لجعل دبي المدينة الأكثر أماناً في الفضاء الإلكتروني، بما يعزز ازدهارها الاقتصادي ويضمن مواكبتها للتقدم التكنولوجي وريادتها العالمية كعاصمة للابتكار والحداثة وصنع المستقبل، والمدينة الأكثر استقطاباً للمستثمرين وأصحاب الكفاءات والأفكار الخلاقة.”
ويضيف الشيباني في هذا السياق: “نحن نستلهم توجهات قيادتنا الرشيدة في العمل على إعادة صياغة مفهوم أمن الحوسبة السحابية، بما يتناسب مع التغيرات الهائلة في عالم اليوم ولا سيما في مجال التكنولوجيا الناشئة والمتجددة، واضعين نصب أعيننا حماية الفضاء الإلكتروني للإمارة، وترسيخ مفاهيم مجتمع واقتصاد المعرفة، ودعم الجهات الحكومية والقطاعات المختلفة فنياً واستشارياً لمساعدتهم على تحقيق أعلى مستويات ممكنة من الأمن الإلكتروني لضمان الاستدامة واستمرارية الأعمال في كل المجالات.”